الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
محمد آل الشيخ
أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية وقضائية؛ غير أن المفاجأة أن الدول العربية التي حازت على قصب السبق في الترتيب العالمي للدول الأقل فسادا كانت جميعها من الدول العربية (غير الديمقراطية)، في حين جاءت العراق التي قاتل الأمريكيون ليجعلوها بلدا ديمقراطيا في ذيل القائمة؛ وهذا يؤكد ما كنت أقوله وأكرره وأنا متيقن منه، ومؤداه أن الديمقراطية في المجتمعات المتخلفة والطائفية أو القبلية، لا يمكن أن تؤدي بها الديمقراطية إلى التحضر والتنمية، وقبل ذلك الأمن والاستقرار، وإنما سيجد اللصوص والانتهازيون فرصة مواتية، للرهان على الطائفة، ونصرة المذهب، أو إثارة النعرات العشائرية لينتخبهم الناخبون المتشبعون بهذه النعرات الطائفية أو القبلية، الموروثة فيصلون إلى مراكز التشريع أو التنفيذ في الدولة؛ وهذا ما حصل في العراق الديمقراطي، وكذلك جرى ومازال يجري في الدولة منزوعة السيادة التي اسمها لبنان والمحتلة من قبل إيران.
العراق رائحة الفساد في البرلمان المنتخب والحكومة التنفيذية المنبثقة عنه، تكاد تزكم الأنوف، حتى أن عضواً في البرلمان، يدعى «مشعان الجبوري» اعترف بذلك علنا وعلى رؤوس الأشهاد في إحدى القنوات التلفزيونية، على هذا الرابط في اليوتيوب.
https://www.youtube.com/watch?v=iL-0RqagGCk
قال ذلك كما ترون في الرابط،غير آبه بشعور العراقيين الذين انتخبوه، وضامنا في الوقت نفسه أن اعترافه بتلقيه رشوة من أموال الشعب (أنه أخذ الرشوة لكنه غش الراشي ولم ينفذ ما التزم بتنفيذه)، وهذا عذر أقبح من فعل!.. الاحتيال هذا غير المشروع أعلنه وهو ضامن أنه لن يؤثر على شعبيته سلبيا، فالذي انتخبه لم ينتخبه لأمانته وأهليته ونزاهته وحرصه على وطنه، وإنما لانتمائه المذهبي، أوالعشائري, والأمر الذي كنت أقوله دائما، أن الشعوب التي لا تبدأ بإصلاح العربة قبل الحصان، فلن يستطيع الحصان الديمقراطي قطعا أن يخرجها من وحل التخلف، فضلا عن أن يكون قادرا على أن يضعها في طريق الحضارة كما هو الأمر بالأمم الغربية؛ البداية يجب أن تكون ليس من رأس الهرم وإنما من القاعدة الشعبية بتعليم الشعوب وتوعيتها- وأهم أسباب التوعية، العمل على انتشالها من مستنقعات التعصب المذهبي أو الطائفي وكذلك التعصب العشائري، فهذا النوع من التعصب بمثابة السوسة التي تنخر في جسد الوطن والمواطنة، بحيث تلغي أي قدرة فعلية لجميع آليات الديمقراطية من أن تعمل، وتفرز الأصلح لإدارة الدولة.
كذلك لبنان، الدولة منزوعة السيادة، والتي يحكمها، ويتصرف في مقاليد الحكم فيها (الولي الفقيه) في طهران، هي مسخرة وتشويه للديموقراطية، ولم يسبق اللبنانيون على طريقتهم (الديموأراطية) هذه أنس ولا جان. فهذا الحكم الفوضوي الفاشل والمضحك، يرتكز على توزيع المناصب التشريعية محاصصة بين الطوائف، ورغم أن هذا التوزيع لا ينص عليه الدستور علنا لأنه توزيع مخزٍ، إلا أنه هو العرف المتبع في توزيع المناصب في البرلمان والحكومة وكذلك منصب رئاسة الدولة، الذي يجب أن يكون من يتولاه مارونيا، لو لم يبق في لبنان إلا ماروني مسيحي واحد، ولو كان غير مؤهل أيضا، فالأولوية للانتماء الطائفي المذهبي لا للكفاءة والقدرة على القيادة.
العراق الذي بدأت الديمقراطية فيه 2003، ولبنان الذي بدأ بالحل الديمقراطي منذ استقلاله عام 1943، لا يختلفان في الجوهر، فهما يكرسان الوجود الطائفي والقبلي أولا، ومن ثم (كل من إيدو إلو) من هذه الطائفة أو ذلك المذهب. لذلك فإن من ينادون بالديمقراطية لدى الشعوب المتخلفة، والمتجذر في ثقافة أفرادها الانتماء الطائفي، قبل الانتماء الوطني، فستكون الديمقراطية حتما وسيلة فساد وإفساد، لا آلية تحضر ومدنية.
ربما أن (تونس) تختلف قليلا عن بقية الدول العربية، وسبب الاختلاف أن مؤسسها»الحبيب أبورقيبة» كان قد أسس ركائز دولة مدنية منذ الاستقلال، وهذا ما جعل الحل الديمقراطي فيها أنجح نسبيا من بقية العرب الذين انتهجوا الديمقراطية قبل أن يجهزوا بيئة ذات ركائز مدنية قادرة على أن يرتكز عليها الحل الديمقراطي المستورد من الغرب المتحضر. فهل يدرك العرب الحقوقيون هذه الحقيقة المؤصلة بالأرقام الإحصائية المستقاة من التجارب على الأرض.
إلى اللقاء
آراء الكتاب
-
الدول العربية والديمقراطية والفساد - محمد آل الشيخ
- 274
- 2016-02-09 17:29:26
محمد آل الشيخ أصدرت (منظمة الشفافية العالمية) تقريرها عن معدلات الفساد في كل دول العالم للعام الماضي 2015. الأوربيون كانوا في المقدمة، وفي مقدمتهم (النرويج) وليس في ذلك مفاجأة طبعا، بل سيكون مفاجئا لي لوحصل العكس؛ فأنا أرى أمم الغرب، وبالذات الأوربيون أنزه الأمم وأكثرها شفافية وأمانة وعدالة اجتماعية...
-
حراسة الرمز - سعد الدوسري
- 329
- 2016-02-09 17:29:27
سعد الدوسري الحرص على سلامة المسجد، ليست مقتصرةً على النظافة، بل على كل الجوانب التي من شأنها تعكير صفو الرسالة الأساسية لبيت الله. الكثيرون منا لا يسهمون مطلقاً في خدمة المسجد، وفي نفس الوقت، يريدونه مكاناً مثالياً يحقق رغباتهم وتطلعاتهم. بعضنا يستغله لنشر فكره، حتى وإن كان مخالفاً لأمن واستقرار وطنه، دون أن يجد من...
-
الجانب الأرقى في الحضور العام - د.ثريا العريض
- 227
- 2016-02-09 17:29:30
د.ثريا العريض أكتب من دبي حيث أشارك في الملتقى السنوي «قلب شاعري» مع شعراء من العالم شرقا وغربا. وأتابع عن بعد أحداث مهرجان الجنادرية المميز الذي عايشت تأسيسه منذ ثلاثة عقود.. كما أتابع عن قرب جهود الهيئة العليا للسياحة والتراث عندنا في محاولة بناء صناعة سياحية وبيئة جاذبة و ثقافة عامة تستوعب أهمية التاريخ...
-
بطالة حملة ماجستير ودكتوراه! - يوسف المحيميد
- 280
- 2016-02-09 17:29:32
يوسف المحيميد في يونيو من العام الماضي كتبت عن التقرير الرسمي لوزارة الخدمة المدنية، بأن أكثر من سبعمائة ألف مواطن يرغبون في العمل الحكومي، ومن بينهم 149 من حملة الدكتوراه، وأتذكر أنني تلقيت اتصالا من نائب وزير سابق، حاول أن يفند المعلومة وعدم صحتها رغم أنها صادرة في تقرير رسمي، ومن وزارة مختصة بالتوظيف! كم أشعر...
-
دبي.. قمة الحكومات العالمية..! - ناصر الصِرامي
- 261
- 2016-02-09 17:29:35
ناصر الصِرامي غداً تختتم القمة الحكومية في نسختها العالمية بدبي، والتي أصبحت التجمع الأكبر عالمياً والمتخصص في استشراف حكومات المستقبل بمشاركة أكثر من 125 دولة حول العالم و3000 مشارك و125 متحدثاً وأكثر من 70 جلسة، طبقاً لمنظميها. القمة حدث حقيقي ومؤثر، ارتقت بعد 4 سنوات على خريطة المحافل العالمية، بزخم إعلامي وحكومي...
-
التنوير رافد السياسة - أيمـن الـحـمـاد
- 421
- 2016-02-09 17:32:18
لأن دور المفكرين هو التنوير، ولأن العالم العربي اليوم يعيش لحظة تنشط فيها قوى الظلام وأفكار الشر التي اتشحت بالدم، وتوشحت بأداة القتل والتدمير، كان ولا بد من وقفة مع تلك النخب المؤثرة التي يُناط بها إجلاء العتمة والبحث عن بصيص أو قبس من نور يبددها قبل أن ترخي بسوادها على عالمنا الإسلامي الذي يعرف...